
تتولى الدنمارك رئاسة الاتحاد الأوروبي ابتداءً من الأول من تموز/يوليو، ومن المرجح أن تسعى لدفع سياسات أكثر تشدداً في ملف الهجرة. فما هي الهوامش المتاحة لها لاستثمار رئاستها في فرض توجهات أكثر صرامة؟ مهاجر نيوز يسلط الضوء على هذا الملف. تعتزم الدنمارك، التي لطالما عرفت باتباع سياسة صارمة بشأن الهجرة، استغلال رئاستها للاتحاد الأوروبي التي تبدأ في الأول من يوليو/تموز لدفع جهودها وفرض تشديدات إضافية في ملف الهجرة عموما.
منذ توليها زعامة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الدنمارك قبل عشر سنوات، أعادت ميت فريدريكسن توجيه سياسات الحزب في ملف الهجرة، متبعةً نهج الحكومات اليمينية السابقة والمدعومة من أحزاب اليمين المتطرف. وقد وصفت مراراً الهجرة من الدول غير الغربية بأنها “أكبر تحدٍ” يواجه البلاد. وفي عام 2024، دعمت فريدريكسن النائب فريدريك فاد، الذي ذهب إلى حد الادعاء بأن بعض المهاجرين، رغم اندماجهم الجيد، “يقوّضون” أحياناً المجتمع الدنماركي من الداخل.
ارتفعت نسبة السكان من أصول أجنبية في الدنمارك من 3.3% عام 1985 إلى 16.3% بحلول عام 2025. وتبرر الحكومة سعيها لتقييد تدفق المهاجرين برغبتها في الحفاظ على نظام الرفاهية السخي. غير أن هذا التوجه يتعارض مع تنامي الحاجة إلى اليد العاملة الأجنبية، حيث تضاعف عدد تصاريح العمل الممنوحة خلال أقل من عقد من الزمن بحسب أرقام نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية، رغم أنها تُمنح بشروط قابلة للإلغاء بسهولة.
قبلت الدنمارك المعروفة بتبنيها لمبدأ “صفر” لاجئين، 860 طلبا في عام 2024، أي أقل بنحو 13 مرة من عام 2015. وقبل عامين، علّقت حكومتها خطتها لنقل طالبي اللجوء من أوروبا، ربما إلى رواندا، في محاولة لإيجاد حل مشترك مع الاتحاد الأوروبي لتنظيم هذا النقل. وفي صيف عام 2020، أُلغيت تصاريح إقامة 200 سوري بدعوى أن “الوضع الحالي في دمشق لم يعد يُبرر منح تصريح الإقامة أو تمديده“.
كما يُمنح اللاجئون تصريح إقامة لمدة عام قابل للتجديد، ويُشجعون على العودة حالما ترى السلطات أن الحاجة إلى الحماية لم تعد قائمة. وصرحت الباحثة ماري ساندبرج، مديرة مركز أبحاث الهجرة(AMIS) بجامعة كوبنهاغن، لوكالة الأنباء الفرنسية أنه “يُتوقع من اللاجئين الاندماج مع استعدادهم للمغادرة في أي لحظة (…) وهو وضع متناقض أو مُنفصم إلى حد ما“.
وكانت وزيرة الشؤون الأوروبية الدنماركية، ماري بيير، قد صرحت خلال عرض أولويات الرئاسة المستقبلية، بأن سياسة الهجرة “مرتبطة بالأمن (…) يجب أن تكون أوروبا أكثر أمنا واستقرارا وقوة، وهذا لن يتحقق إذا لم نتحكم في تدفقات المهاجرين إلى أوروبا“.
كما حددت رئيسة الوزراء ميت فريدريكسن تشديد سياستها بشأن الهجرة خلال زيارتها الأخيرة إلى برلين، في الإطار العام، باتخاذ إجراءات على جبهتين: تصدير مسألة معالجة طلبات اللجوء والمتقدمين بها إلى خارج دول الاتحاد وتقييد نطاق أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وقد قالت رئيسة الوزراء ميت فريدريكسن في مواجهة المستشار فريدريش ميرتس، الذي أشاد بالنموذج الدنماركي “نحن بحاجة إلى حلول جديدة للحد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا، ولإعادة من لا يحق لهم البقاء في بلداننا بفعالية”. وعلى الرغم من فشل جميع محاولات الدول الأوروبية لتصدير مشكلة الهجرة خارج حدودها، إلا أن بنديكسن أكدت أنه “ستكون هناك محاولة أوروبية لفعل شيء حيال ذلك” خلال الرئاسة الدنماركية.
صعوبتان أساسيتان: المخالفات المرتبطة بالترحيل و”إعطاء دولة ثالثة أدوات ضغط على الاتحاد“
تقول الدكتورة في القانون الأوروبي والقاضية المساعدة في المحكمة الوطنية الفرنسية لقانون اللجوء، تانيا راشو، لمهاجر نيوز بخصوص تصدير مشكلة طلبات اللجوء والمتقدمين بها خارج حدود الاتحاد، إن الدنمارك من أوائل الدول التي اقترحت رواندا مكانا للاستقبال وأنها أجرت نقاشات مع المملكة المتحدة بهذا الشأن إلا أن ذلك يعد “انتهاكا لمبدأ عدم الإعادة القسرية” إضافة إلى أنه اتخد قرار بأن رواندا بلدا “غير آمن”، مؤكدة أن هناك “قضايا قانونية قوية ضد حركة طالبي اللجوء خارج الاتحاد الأوروبي“.
ونوهت أيضا فيما يخص إعادة طالبي اللجوء إلى دولة ثالثة خارج الاتحاد الأوروبي إلى صعوبتين أساسيتين الأولى هي المخالفات التي سيفرضها لناحية إقامتهم في مراكز ترحيل والمدد التي ستلزم للاحتجاز وإعداد ملفات الترحيل والرحلات، والمسألة الثانية هي “إعطاء دولة ثالثة أدوات ضغط تجاه الاتحاد الأوروبي لأنها في حال لم تلتزم بسبب عدم الرضى من سياسات الاتحاد أو تجاه المساعدات المقدمة لها، فسوف تلجأ إلى الضغط عن طريق هؤلاء المرحلين وتركهم يرحلون مجددا أو غيره من السبل“.
“مشكلة في مفهوم سيادة القانون” إلا أن “الرئاسة الدنماركية لن تحدث ثورة” وفيما يخص تقييد نطاق أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، تقول راشو لمهاجر نيوز “لطالما عارضت الدنمارك بشدة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان معتقدة أن المحكمة تبالغ في تفسيراتها للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. لذلك أصرت على إدراج مصطلح ‘التبعية ’ في تمهيد الاتفاقية، وهذا التغيير تم بالفعل. إلا أنه يجب التذكير بأن لا صلة بين المحكمة والاتحاد الأوروبي، وكون الدنمارك ستكون رئيسة مجلس الاتحاد الأوروبي فليس لها صلة بمجلس أوروبا والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان“.
إلا أن راشو تؤكد على خطورة موقف الدانمارك بحد ذاته من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وذلك “لأننا نواجه حكومة تطلب من القاضي أن يفعل شيئا وهذا في حد ذاته يطرح مشكلة هائلة في مفهوم سيادة القانون واستقلال القضاة” وتضيف أن ما “يزعج بعض الحكومات هو أن للمحكمة الأوروبية دور في تطوير تفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وكلاهما تعتبران أنه من غير الممكن إعادة أجنبي إلى بلد حيث يتعرض لمعاملة لا إنسانية ومهينة“.
ويذكر أن الدنمارك انضمت إلى إيطاليا وسبع دول أخرى في الدعوة إلى إعادة تفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلقة بالهجرة، بحجة أنها تحمي أحيانا “الأشخاص غير المناسبين”. وتؤكد مديرة مركز أبحاث الهجرة (AMIS) بجامعة كوبنهاغن ماري ساندبرج قائلة “كنا فخورين بكوننا من أوائل الدول التي وقّعت على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951، وكنا أيضا جزءا من برنامج إعادة التوطين التابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ أواخر الثمانينيات. ومع ذلك، (…) يبدو أن الدنمارك مستعدة لاختبار حدود الاتفاقيات“.
لكن راشو تؤكد بهذا الخصوص أمر “وجوب التزام الاتحاد الأوروبي بالاتفاقية” وأن هذا كان ينبغي تحقيقه منذ معاهدة لشبونة عام 2009 وجرت مفاوضات كثيرة بهذا الشأن وهي مشكلة متكررة بحد ذاتها وبالتالي “فإن الرئاسة الدنماركية لن تحدث ثورة على الأرجح في هذا الجانب“.وذكّرت راشو بأن تدفق المهاجرين ليس مفرطا وأنه تصدر صورة لأعداد ضخمة يجب إدارتها وهذا “غير صحيح” واستدلت بأرقام الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، فرونتكس، التي رصدت 234,000 حالة عبور غير نظامي العام الماضي في كامل أوروبا. لذا تعزو الأمر إلى أنه سياسيا قبل كل شيء وبأنه “لأغراض انتخابية” و”لإعطاء انطباع بالعمل ولكنها في النهاية ستفرض عواقب وخيمة على الأشخاص المعنيين الذين يتعرضون للوصم والمضايقة والذين يعانون بشكل كبير من العواقب